القرن الإفريقي وعلي ضقتي البحر الاحمر وبحر العرب نزولا
الي شواطئ المحيط الهندي قد عبرت من حاجز التوقعات والاحتمالات الي منطقة الحدوث الفعلي
وبروز ملامح إعادة التشكل للكيانات القديمة والكبيرة في كياناتِ أصغر وأضعف وذلك
في حاجةِ يعلمها اللاعب الخارجي الذي صار مهيمنا هيمنة كاملة على العوامل الداخلية
لهذه البلدان وأصبح يحركها كيفما يشاء ووقتما يشاء لقد فقدت هذه الشعوب بوصلتها
وصارت في مهب رياح ماتشتهيه البلدان الخارجية لقد أقامت الصراعات في الصومال من
قبل أكثر من ثلاثة عقود ولم تقعدها حتي هذه اللحظة وسوف لم تقعدها أبدأ الا بمقدار
وذلك المقدار هي التي تحدده وشرطها فيه يكون بأنها هي التي يجب أن يكون المستفيد
الأكبر منه ولا لوم ولا حرج إن كانت هذه الشعوب تستفيد منه بمقدار أقل وبنسبةٍ هي
تحددها وتضع معاييرها .. كانت الحالة الصومالية مصطلحاَ يطلق على ما شابهها من
حالات وكانت في السابق قليلة ويطلق عليها بالصوملة أما اليوم فحدث ولا حرج حيث
صارت كثيره وفي أغلب بلدان المنطقة وكذلك في بلدان الشرق الأوسط إلا أنه حديثا تم
إعادة تسمية ذلك اللقب فأطلق عليها بلدان الربيع العربي حيث تشتعل النيران هنا
وهناك ولا تخمد أبدأ فالغاية منها خلق الهرج والمرج والفوضي الخلاقة حتي تأتي
شركات هذه البلدان وتستنزف خيرات هذه المنطقة وهكذا بأستمرار وحتي بلدان أفريقيا
جنوب الصحراء الكبري صار المصطلح يجري فيها .. والأدهي وألامر هو إن البلدان
الكبري صارت تتصارع فيما بينها لفرض السيطرة والهيمنة علي المنطقة وكأنها تعيد
أيام التسابق الإستعماري علي القارة السمراء كما كان في القرن التاسع عشر .
منطقة القرن الإفريقي لم تكن يوما ما في حالة ثبات
وإستقرار وأمان بل كانت في تمحور وتشكل دائم يعتمد علي درجة التسخين وقوة الاشتعال
فأحيانا يزيد اللأعب الخارجي عوامل الاشتعال لإنجاح غرضٍ محدد في فترة أوجز فيكثر
من النار واللهيب وأحيانا أخرى يرى في إستمرار بعض الإشكاليات لزمنٍ أطول حتى بفرض
في نهاية المطاف وضعٍ جديد يتم طهيه في نار هادئة وخير نموزج لذلك الوضع الصومالي حيث
ترى كل نمازج الضغط والتأثير أستخدمت وتركت الانسان الصومالي أينما وجد في حالة
عدم إستقرار وفي عراكٍ مستمر أما مع مكوناته أو مع المكونات المجاورة له فهو علي
رأس القائمة التي لا يراد لها الاستقرار أبدا لأنه تحدى الغرب ولأنه يحمل عوامل القوة
الذاتية التي تجعل منه يوما يقف علي رجليه ويقارع من جديد ... الصومالي سواء كان
من كينيا أو إقليم أوقادين في إثيوبيا أو حتي في جيبوتي يقول دائما أنا صومالي وحتي
في هذه البلدان يطلق عليه صومالي ويتحدث لغته الصومالية غير عابئ بلغة البلدان
التي ينتمي اليها .. الصومالي فريد في قوته وجرأته وعزة نفسه وهذه صفات كل
الصوماليين يتمتعون بها ولهذه الاسباب لن يتركوهوا لوحده لكنه سوف لن يستسلم أبد
ما دام هذه الخصال فيه ..
أكبر
قطرين في القرن الافريقي إثيوبيا والسودان يجري فيهم عراك وصراع دامي مازالت
أبعاده ومراميه غير بائنة وغير متضحة بعد لأن الأول لا يراد له الانقسام والتمزق
حتي يكون الاقوي في المنطة ويكون كما كان دوره في السابق العصى التي يقمع بها
الغرب ويبطش بها من أراد في المنطقة وتستغل إمكانياته وثرواته لصالح الغرب ومقابل
ذلك يحظي بالكثير من المزايا والخصوصية في علاقاته مع الغرب أما شعوبه ففي حالة
عراك دائم وصراع مستمر في فرض القوة والهيمنة علي مصادر القوة ثم عدائهم الدائم
والتاريخي فيما بينهم فالأمحرى لا يحبون التقراي ولا الارومو وهم الأن في حالة حرب
مع الحكومة الفدرالية أما التقراي فلِتوِهِم خرجوا من حرب طاحنة مدمرة كادت تقضي
عليهم حيثوا دخلوا في كماشة الحكومة المركزية والحكومة الارترية وإقليمي الامحرى والعفر
حتما لا تستطيع الخمسة ملايين من التقراي الوقوف امام هذه الجحافل من كل حدبٍ وصوب
فقبلوا بوقف العدائيات ووقعوا مع الحكومة إتفاقية بريتوريا وهكذا تجنبوا الهزيمة وسيطرة
الامحرى عليهم ... أما الأروموا أصحاب الأغلبية الساحقة في تركيبة الخريطة السكانية
لاُثيوبيا ليس مسموح لهم بحكم إثيوبيا فلا الغرب يريدهم علي رأس السلطة في إثيوبيا
ولا ضلعي مثلث القوة (الامحرى والتقراى) يسمح لهم بالسلطة ولا إمكانيات الأروموا الراهنة
تسمح في تكوين تحلفات من التجمعات السكانية الاخري كالعفر والصومال وسكان الجنوب
الاثيوبي أو حتي بالتحالف مع أحد ضلعي مثلث القوي الاثيوبي .. تاريخيا كانت تحكم
إثيوبيا إما التقراي أو الامحرى أما الاروموا رغم أنهم يكونون الغالبية العظمى
للسكان الا أنهم كانوا دائما يشكلون أضعف أضلاع مثلث القوي الإثيوبي .. وحتي الان
رغم وجود أبي أحمد علي رأس السلطة والذي هو من الاروموا الا أنه لا يمثل الاروموا فهو
يتخبط في تحالفاته الداخلية والخارجية أما الثابت في أبي أحمد فهو حبه للسلطة وإستعداده في التحالف مع الشيطان
من أجل الاستمرار في السلطة ومنذ مجيئه صار الاقتصاد الاثيوبي في تدهور مستمر
وكذلك الوضع الامني حتي صارت أديس أبابا العاصمة من الصعب التنزه فيها ليلاً أما
العملة الاثيوبية هبطت الي أدني معدلاتها منذ نشوء الدولة الإثيوبية الحديثة في
عهد منليك في القرن الثامن عشر ..
أما السودان الدولة الكبري الثانية في القرن الإفريقي والتي
تمثل الصقل السكاني الثاني بعد إثيوبيا في المنطقة فقد إنزلقت فيها الأوضاع الي
الحضيض في كل شيئ .. لقد صار السودان حلبة كبري للتطاحن والتأكل والتمزق فتضاريسه السهلية وأراضيه المسطحة الممتده سهلت في تقدم القوات في كل الاتجاهات وسهلت
التدخل الخارجي في أموره وصار السودان من المصدرين الكبار لللأجئيين في العالم بعد
أن كان من المستقبليين لهم حيث كان السودان بوتقة تتلاقح فيها الشعوب من كل الدول
من حواليه وكان معبراً سهلا لدول الشرق الاوسط وكذلك للدول الاروبية .. السودان
الذي حباه الله بكل الخيرات جعل هذه الخيرات فتنةً له وعليه .. فتنةً له لأن
الانسان السوداني بطبعه الطيب والمتواضع لم يبزل الجهد الكبير في تقوية لحمته
الداخلية وتشكيل وحدة قوية من خلال بناء وتأسيس دولة المواطنة ووضع القوانيين التي
تمتن الترابط الداخلي وتحارب الجهوية والقبلية .. أما فتنةٌ عليه فثرواته
الطبيعبية الضخمة أسالت لُعاب الطامعين عليها من الدول الكبرى وعقدت المشهد
السياسي في البلد وصار من الصعب حكمه رقم الجهود المخلصة التي تبذل من الحين
والأخر لرأب الصدع ولم الشمل .. أما التحالفات الدولية فكلها لم تكن لصالح السودان
لانها لا تعطي الضعيف إعتبار بل دائما يكون ورقة تستخدمها الدول في التجازب والصراع
فيما بينها ومن أجل مصالحها فقط .. لقد إتضح اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى بأن
السودان لم يكن له صديق حقيقي يقف معه في وقت المحن وعند الشدة الملحة حتى الدول
العربية التي أدارت ظهرها منه وصار الانسان السوداني تتقاذفه الملاجئ وتكتظ به
المعابر وتستغله ضعاف النفوس في المرافئ والمعابر وفي كل مكان .. السودان الآن في
حالة تمزق وتآكل وتشرزم والغرض من ذلك بعثرته في دويلات إثنية لتظل تتناحر فيما
بينها بإستمرار ويظل إستنزاف ثرواتها بأستمرار .. ما هو مرسومٌ للسودان مستقبلاً
أسوء مما هو عليه اليوم السودان .. لا يراد له أبداً الاستقرار والوقوف علي رجليه فهو
مثله في ذلك مثل الصومال لا يراد له التوحد والنماء لأن ذلك يعتبر بمقايس من يضعون
السياسة الدولية خصماً علي الدول المجاورة أمثال إثيوبيا وكينيا .. الاستعمار هو الذي
ترك القنابل الموقوته قبل الخروج من هذه البلدان كأقاليم وإثنيات ألصقها وأتبعها للبلدان
المجاورة حتي تكون عوامل عدم إستقرار بشكل دائم ومستمر ونشاهد ذلك في كل البلدان
الإفريقية لذا يتحتم علي الإنسان السوداني السمو بنفسه فوق كل هذه العقبات
والعراقيل التي من الأثاث قد وضعت لتكبل الحراك الوطني المخلص وعلى الساسة
والعسكريين من كل الأطراف السمو بنفسهم من أن يكونوا أداةٍ تستخدمهم البلدان
الخارجية من أجل مصالحها وليس لمصلحة السودان .. الخارطة المستقبلية التي وضعت
للسودان قاتمة بل وداكنة لكن فقط الانسان السوداني المخلص والوفي لبلده وشعبه هو
الذي يستطيع إفشال كل هذه الخطط وإنجاح أن يكون السودان بلداً يحسب له ألف حساب
وحساب ...
كتبت هذا المقال في نهاية العام الماضي عام 2023 ولم
أنشره حتي تتضح معالم التشكل أكثر وأكثر لكن وبعد عام كامل مازالت العوامل هي
مثلما هي لا تغيير فيها حيث يراد منها عدم الحسم في الوقت الراهن حتى تتحطم
المعنويات وتضعف النفوس وتقبل بما يفرض عليها من حلول .. مازالت المنطقة حبلى
بتشكلات تلوح في الأفق القريب والبعيد قد تغير ملامح الخريطة الحالية لكن حتما إن
أي تغيير سيكون لمن يخططون له وليس لإنسان المنطقة ....