تتبعثر الاوراق وتتداخل الملفات وتختلط الحسابات لكن
هناك الثوابت والمتغيرات .. الثوابت تظل ثوابت والمتغيرات تظل غير ثابتة مع تغير
الزمن .. هناك ثوابت رُسِمت لمنطقتنا من قبل الدول ذات المصالح الكبري في منطقتنا
هذه الثوابت هي التي تشكل سياسة هذه الدول في المنطقة ومقاييس النجاح والفشل هي
مقدار ما تحقق من هذه الثوابت والسعي لتحقيق ما تبقي في الفترة التي يراد فيها
تحقيق هذه السياسات التي غالبا ما تكون عكس أحلامنا وطموحاتنا الوطنية في المنطقة
.. رغبات هذه الدول ربما تلتقي وتتقاطع مع أطماع ورغبات بعد الأفراد في المنطقة
فيمكن سهولة تنفيذها .. هذه الدول عندما تضع خرطها السياسية في العالم تدري جيدا
أدوات تحقيق هذه الخرط السياسية .. هناك كم هائل من الخبراء والمتخصصين يُستعان
بهم لوضع هذه السياسات البعيدة المدي يدرون جيدا تفاصيل التركيبة السكانية لدول
المنطقة بل والاكثر من ذلك يدرون تفاصيل التناقضات الداخلية بين مكونات هذه الدول
ويدرون التاريخ والجغرافية لهذه التناقضات .. مُلِمُون بكل التفاصيل ويستخدمونها
عند الحوجة والضرورة .. صرنا مثل كتاب مفتوح يقرؤه الجميع .. لقد سهل عليهم
التخطيط لنا ولمستقبلنا من أناس يبعدون ألاف الاميال عننا .. التخطيط لبعثرة
وتجزيئ المنطقة لم يبدأ عام 2022 بل بدأ منذ عقود وصار السمة الاساسية في تقويض
سيادة الدولة وجعلها تفقد مكامن قوتها وتدريجيا صارت دمي بلا قوة نافذة والامثلة
الأن كثيرة والكل يتمني لو يعود للماضي حيث يستطيع الكل البدأٌ بطريقة صحيحة من
ومستقيمة لكن هيهات ..
الصومال كانت البداية ولا ندري متي تكون النهاية إن كان
للامر نهاية .. الصومال كانت البداية حيث سياد بري ونظام حكمه لم يُرضي الغرب ولم
يكن في توافق مع شعبه لنظام حكمه الديكتاتوري خلق الارضية المناسبة لكي تبدا سياسة
تفتيت الدول وتمزيق الشعوب علي إعتبارات إثنية وقبلية .. هذه التجربة خيضت في أكثر
الشعوب الافريقية تجانسا من حيث الدين واللغة والإرث التاريخي والتعويل في نجاح
سياسة التفتيت كان علي اساس قبلي محض وإذا نجحت في بلد مثل الصومال في خلق كيانات شبه
مستقلة مثل صمالي لاند, بنتو لاند, جوبا لاند وغيرهم هذا مستقبلا سوف يحمي حلفاء
الغرب في كينيا, جبوتي وإثيوبيا من قيام دولة الصومال الكبري بكل أجزائها الخمسة
طبعا ملف الصومال لموقعه الاستراتيجي ملف شائك وذو تفاصيل كثيرة ومعقدة وأبعاده
دولية, إقليمية ومحلية هذا الملف إقليميا كان تحت عهدة إثيوبيا في زمن حكم الوياني
وأحيانا كانت تشاطرها كينيا وجبوتي وكل ذلك ليس للحفاظ علي مصالح الصومال ووحدة
أراضيه .. تلاقت المصالح الاقليمية مع الدولية فأفرزت في الصومال دولة شبه ميتة لا
تقف الا علي وجود قوات حفظ السلام الإفريقية والتي جيئ بها لتمكث دوما في الصومال
وتكون مصدر دخل للقوات اليوغاندية .. الصومال ما زال منذ ثلاثة عقود في تلك
الدوامة بين الرغبة المحلية للبقاء كصومال والرغبة الدولية في بعثرته وتفكيك
مكوناته .. ليست هنالك ملامح للنهاية ولا عوامل ضغط تؤدي الي قيام دولة الصوماليين
والعيش مع جيرانهم بسلام .. إذا كان برنامج التفتيت والبعثرة قد نجح نجاحا باهرا
في الصومال حتي كان حينها يسمي كمصطلح سياسي جديد بالصوملة يعني تفتيت البلد
وتجزئته مثل الصومال أما اليوم فحدث ولا حرج الصوملة صارت حالات مزمنة في كثير من
بلدان المنطقة بعضها ممنوع منعا باتا من الصوملة مهما بلغت فيه حالات الحروب
والتناحر وحتي إن بلغ عدد الضحايا بأكثر من مليون قتيل خلال عامين من الحروب
الطاحة وبعضها تصنع فيه الصوملة صناعة حيث تقام فيه المليشيات الاثنية والجهوية
وتكون فيه قائمة جنبا الي جنب مع الجيش الوطني في داخل المدن الكبري مما يجعل
المواطن يعيش في توتر وحالة رعب مستمرة حيث لا يدري متي تنطلق الشرارة الاولي
لتعيش البلاد في دوامة حروب دائمة وحالة الخوف هذه صارت تعمل في تفريق البلاد من
الشباب والطاقات المستنيرة ... عام 2022 كرث هذه الحالة في صومالٍ مكبل من كل
النواحي لا يستطيع الخروج من حالته التي رسمت له وقدره الذي رمي فيه ..
عام 2022 في بلاد السهول الممتدة والخيرات المتدفقة لم
تكن أحسن من بلاد الصومال فالسودان رغم ما حباه الله من النعم الكثيرة والخيرات
الوفيرة الا ان صناعة التمزق والتأكل قد طالته وإلتهمت ثلثه من الجنوب طمعا في الثروات
النفطية الكبيرة .. لم يتدارك إنسان الجنوب ولا إنسان الشمال ما كان يخبئ لهم من
تمزيق مستمر في الجزأين بل وربما تعدي الي أجزاء أخري في الغرب وجبال النوبة وكذلك
الشرق الذي صار يهدد علنا بالانفصال أسوة بالجنوب .. السودان كما تركه الأنجليز
صار يحتضر وصارت الاطماع الأقليمية والدولية تأكل فيه في زمن صارت الحروب فيه تقام
من أجل الثروات الطبيعية والسودان قدره في ثرواته الطبيعية التي يندر مثيلها في
القارة .. السودان قدره في طيبة أهله وبساطتهم فالعالم قد تجاوز تلك البساطة وصارت
العلاقات مصالح يخطط لها بدقة وبعد نظر وقد إنعدم التخطيط وبعد النظر في النخب
السياسية خصوصا التي تلقت الاستقلال ووضعت اللبنات الأولي للدولة السودانية .. عام
2022 في السودان لم يكن الا أستمرارا في كل شيء للعام الذي سبقه .. إستمرارا في
التناحر القبلي, إستمرارا في التشرزم الجهوي .. لقد ضاعت البوصلة الوطنية في وسط ضجيج
القبليات والجهويات والنفخ في أبواق النعرات الإثنية .. السودان سوف ينزلق الي ما
إنزلقت اليه ليبيا واليمن إن لم تُنزع الاسلحة من الاطراف الموقعة وغير الموقع لإتفاقية
السلام بجوبا ... بقاء المليشيات مسلحة وفي المدن الكبري هي نفس الوصفة التي أتبعت
في ليبيا واليمن لتشتعل حربا ضروسا بل ولتظل مشتعلة ويتم تفريق البلاد من كل خيراتها
ويتم إرجاع عجلة النمو فيها الي عقود وعقود مضت ... شعب السودان ونخبه السياسية
أمام مسؤليات وتحديات كبيرة لمعرفة الداء أولا وللأستفادة من تجارب البلدان التي
إنزلقت في هذا المستنقع والتي لم تستطع حتي الان الخروج من هذا المستنقع.. الكوادر
السودانية تحتاج الي تجرد ونكران ذات ولم الشمل والخروج من صندوق الإثنيات
والقبليات الضيق الي رحاب الوطنية الذي يتسع للكل ويؤسس للشراكة الحقيقية التي
يريدها الوطن الكبير ..
عام 2022 في بلاد الهضاب والجبال العاليات إثيوبيا كان
ساخنا مشتعلاً أمواج وأمواج من الجحافل البشيرية تنتشر في جبهات طويلة متباعدة ..
حروب طاحنة ومعارك ضروس كانت سجالا بين التقراي وحلفائهم الاروموا من جهة وبين
القوات الفدرالية بقيادة أبي أحمد وحلفائه الامحرا, العفر وقوات الدفاع الارترية
.. حروب كانت طاحنة لا تدري من المنتصر ومن المهزوم .. تتكاثر الإدعاءات وتتباين
الاخبار علي حسب المصدر كلٍ يدعي الانتصار ودحر وإبادة العدو .. وفي مرحلة من
مراحل هذه الحرب الطاحنة إقتربت قوات التقراي من العاصمة أديس أبابا مما إضطر فيها
رئيس الوزراء أبي أحمد للخروج من العاصمة لقيادة جيوشه بنفسه ورفع معنويات جنوده
التي كانت عندها في تقهقر وإنسحاب كذلك صمود وعزيمة الجيش العفري غيرت من سير وطبيعة
المعارك حيث إختلت الموازين بين ليلة وضحاها لصالح القوات الحكومية وحلفائهم وبدأت
قوات التقراي في التراجع الي أن عادت بهم الادراج الي مدنهم في تقراي وحتي هذه
المدن لم تستطع قوات التقراي الصمود فيها وصارت الهزائم متسارعة تنزر بهزيمة نكراء
لكن الأيدي الخفية في الصراع الاثيوبي لم تشأ لتكون النهاية عسكرية بل أردوها
سياسية بتوقيع إتفاقية تلزم كل الأطراف بوقف الحرب وببدأ عملية السلام التي وقعت
في جنوب إفريقيا وهذا يؤكد بأن إثيوبيا ممنوع عليها الصوملة والتشرزم والتمزق الي
دويلات فالمصالح الدولية تري مصلحتها في وحدة وتماسك إثيوبيا لكي تظل تلعب الدور المحوري
المناط به إقليميا في منطقة تعتبر الاكثر أهمية من كل النواحي والمعايير .. طبعا
كل سكان القرن الافريقي تعنيهم وحدة وإستقرار إثيوبيا بأليات محلية ورغبات محلية
وليس بأليات ورغبات دولية .. نفس الوحدة ونفس المعايير كان من المفترض أن تطبق علي
بقية دول الاقليم وليس فرض الصوملة في أجزاء من الاقليم ومنعها من أجزاء أخري ..
هنيئا لاثيوبيا السلام والاستقراق ونتمني أن يعم السلام كل دول القرن الافريقي علي
ضفتي البحر ..
عام 2022 في اليمن السعيد .. اليمن مازال غير سعيد وما
زال عن الاستقرار ببعيد وبعيد ومازالت الصغار لا تلعب حيث شاءت وحيثما تريد ..
اليمن ما زال بعيد وبعيد حتي عما كان عليه في أمدٍ بعيد .. اليمن وشعبه الطيب
البسيط إنقلبت حياته الي حروب بالانابة تم إستقطابه في قضايا لا بعير له فيها ولا
ناقة .. صراعات إقليمية بإرتباطات ومباركات دولية يكون طحينها الشعب اليمني شعبٌ
أصيل ذوا شجاعة ونخوة إستغلت فيه هذه الصفات الطيبة وأدخلوهوا في رحي هذه الحرب
اللعينة التي إلتهمت يابسه وأخضره .. أريد لليمن أن يدخل هذه الدوامة ويظل فيها
لامد بعيد لا إتفاقيات ولا ضغوط توقف الحرب إنما فقط تتوقف عندما يقر الكباروتتغير
أدوات لعبهم .. اليمن يدمي ويستنذف لكن هيهات ليحرك ذلك ساكنا .. هيهات ليعيد
الرحمة لقوب من إفتقدوا الرحمة .. القرن الافريقي بشقيه الافريقي والاسيوي كتب لطاحونة
حربه أن تظل رحاها دائرة دون توقف ...
عام 2022 في إرتريا الحبيبة كان عاما صعبا يرتفع فيه تيرمومتر
المخاوف والانشغال مع تغير الاحداث في إثوبيا حيث أراد الحكام في أسمرا الدخول في صراعات
إثيوبيا أولا لإلمامهم بكل خيوط اللعبه في هذا الصراع المتشابك والمعقد ريما أكثر
من الاثيوبين أنفسهم حيث تراكمت لديهم الخبرة والإدراك بخيوط كل اللعبة .. ثانيا
لتخوفهم من إنتصار الوياني في الصراع مع أبي أحمد الحديث في اللعبة السياسية وقليل
الخبرة في التعاطي مع كل ملفات الصراع الشائك .. ثالثا حتي ولو إنتصرت الحكومة
الفدرالية لكي لا تنتصر وحدها وتأكل كعكة الانتصار وحدها وتملي شروطها في المنطقة
.. فإقتسام ارتريا في الأنتصار يجعلها تملي شروطها وتكون شريكا في صناعة السياسة
الاقليمية في المنطقة وهذا بدأت معالمه تتضح بعد توقيع إتفاقيات بريتوريا بين
الحكومة الفدرالية الاثيوبية وبين ممثلي الجبهة الشعبية لتحرير تقراي .. كما وسوف تتضح أكثر وأكثر في المستقبل القريب
في طريقة التعاطي مع إثيوبيا في الحدود الدولية وفي الصراعات الداخلية بين قوميات
المجتمع الإثيوبي خصوصا بين الامحرا والارومو والعفر والصومال كذلك في الصراعات
الاقليمية في السودان المرشح لبعثرة وتفكك الا إذا فاق أهله وعملوا دون ذلك ..
عام 2022 يمضي كما مضت الأعوام السابقة ومأسينا في
المنطة تتواصل لكن علينا بأن لا نفقد الأمل لعل الله يجعل لنا مخرجأ ...